الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
15 - قال الشّافعيّة: يجب على الزّوج نفقة زوجته المتحيّرة, وممّن نصّ عليه الغزالي في الخلاصة. وهذا ما يؤخذ من عبارات الحنفيّة والحنابلة, فقد نصّ الحنفيّة على أنّ المعتبر في إيجاب النّفقة احتباس ينتفع به الزّوج بالوطء أو بدواعيه, والثّاني موجود في المتحيّرة, ومن هذا المنطلق فإنّهم أوجبوا نفقة الرّتقاء والقرناء. وقال ابن قدامة: إن بذلت الرّتقاء أو الحائض أو النفساء أو النّضوة الخلق الّتي لا يمكن وطؤها أو المريضة تسليم نفسها لزمته نفقتها, وإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط نفقتها لأنّ الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها. والمالكيّة تخرج المتحيّرة عندهم من تحيرها باستيفاء تمام حيضها بنصف شهرٍ أو بالاستظهار ثمّ هي مستحاضة وهي في الحقيقة طاهر تصوم وتصلّي وتوطأ فتجب لها النّفقة لأنّ شروط وجوب النّفقة عند المالكيّة هي: السّلامة من الإشراف على الموت, وبلوغ الزّوج, وإطاقة الزّوجة للوطء، والمستحاضة صالحة للوطء.
16 - ذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة على الصّحيح من المذهب والحنفيّة في قولٍ وعكرمة وقتادة وأبو عبيدٍ إلى أنّ المتحيّرة تعتد بثلاثة أشهرٍ لاشتمال كلّ شهرٍ على طهرٍ وحيضٍ غالباً, ولعظم مشقّة الانتظار إلى سنّ اليأس, ولأنّها في هذه الحالة مرتابة, فدخلت في قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَََلاثَةُ}, ولأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمر حمنة بنت جحشٍ رضي الله عنها أن تجلس في كلّ شهرٍ ستّة أيّامٍ أو سبعةً فجعل لها حيضةً في كلّ شهرٍ تترك فيها الصّلاة والصّيام ويثبت فيها سائر أحكام الحيض فيجب أن تنقضي به العدّة, لأنّ ذلك من أحكام الحيض. وصرّح الشّافعيّة بأنّه إن بقي من الشّهر الّذي طلقت فيه أكثر من خمسة عشر يوماً عدّت البقيّة قرءاً لاشتمالها على طهرٍ لا محالة, وتعتد بعده بهلالين, فإن بقي خمسة عشر يوماً فأقل لم تحتسب تلك البقيّة لاحتمال أنّها حيض فتبتدئُ العدّة من الهلال، لأنّ الأشهر ليست متأصّلةً في حقّ المتحيّرة, وإنّما حسب كل شهرٍ في حقّها قرءاً لاشتماله على حيضٍ وطهرٍ غالباً بخلاف من لم تحض والآيسة حيث يكملان المنكسر. وقال الشّافعيّة: إنّ هذا في شأن المتحيّرة الّتي لم تحفظ قدر دورتها, أمّا إذا حفظت قدر الأدوار فإنّها تعتد بثلاثة منها, سواء أكانت أكثر من ثلاثة أشهرٍ أم أقلّ لاشتمالها على ثلاثة أطهارٍ, وكذا لو شكّت في قدر أدوارها ولكنّها قالت: أعلم أنّها لا تجاوز سنةً مثلاً: أخذت بالأكثر وتجعل السّنة دورها, ذكره الدّارمي ووافقه النّووي. وقيل: تعتد المتحيّرة بما ذكر بعد اليأس لأنّها قبله متوقّعة للحيض المستقيم. وأضافوا: إنّ محلّ الخلاف المذكور في المتحيّرة بالنّسبة لتحريم نكاحها, أمّا الرّجعة وحق السكنى, فإلى ثلاثة أشهرٍ فقط قطعاً. وقال ابن الهمام: اعلم أنّ إطلاقهم في الانقضاء بثلاثة أشهرٍ في المستحاضة النّاسية لعادتها لا يصح إلا فيما إذا طلّقها أوّل الشّهر, أمّا لو طلّقها بعدما مضى من الشّهر قدر ما يصح حيضةً ينبغي أن يعتبر ثلاثة أشهرٍ غير باقي هذا الشّهر والوجه ظاهر. وذهب المالكيّة والحنابلة في قولٍ وإسحاق إلى أنّ المتحيّرة تعتد سنةً بمنزلة من رفعت حيضتها لا تدري ما رفعها, قال أحمد: إذا كانت قد اختلطت ولم تعلم إقبال الدّم وإدباره اعتدّت لما ورد عن عمر أنّه قال في رجلٍ طلّق امرأته فحاضت حيضةً أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه ؟ تجلس تسعة أشهرٍ, فإذا لم يستبن بها حمل تعتد بثلاثة أشهرٍ فذلك سنة. وصرّح المالكيّة بأنّ المتحيّرة تعتد بتسعة أشهرٍ استبراءً لزوال الرّيبة لأنّها مدّة الحمل غالباً ثمّ تعتد بثلاثة أشهرٍ, وتحل بعد السّنة, حرّةً كانت أم أمةً, وقيل: إنّ السّنة كلّها عدّة, قال الدسوقي: والصّواب أنّ الخلاف لفظي. والمفتى به عند الحنفيّة أنّ المتحيّرة تنقضي عدّتها بسبعة أشهرٍ, قال ابن عابدين: وأمّا ممتدّة الحيض أي ممتدّة الدّم أو المستحاضة, والمراد بها المتحيّرة الّتي نسيت عادتها, فالمفتى به كما في فتح القدير تقدير طهرها بشهرين فستّة أشهرٍ للأطهار, وثلاث حيضٍ بشهر احتياطاً قال ابن عابدين حاصله: أنّ المتحيّرة تنقضي عدّتها بسبعة أشهرٍ. ويرى الميداني من الحنفيّة - وعليه الأكثر - أنّ المتحيّرة يقدّر حيضها بعشرة وطهرها بستّة أشهرٍ إلا ساعةً فتنقضي عدّتها بتسعة عشر شهراً وعشرة أيّامٍ غير أربع ساعاتٍ, لاحتمال أنّ الطّلاق كان بعد ساعةٍ من حيضها فلا تحسب هذه الحيضة وذلك عشرة أيّامٍ إلا ساعةً, ثمّ يحتاج إلى ثلاثة أطهارٍ وثلاث حيضٍ. وقال في عمد الأدلّة: المستحاضة النّاسية لوقت حيضها تعتد بستّة أشهرٍ. وقال ابن قدامة: ينبغي أن يقال: إنّنا متى حكمنا بأنّ حيضها سبعة أيّامٍ من كلّ شهرٍ فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيّامٍ من أوّل الثّالث فقد انقضت عدّتها, وإن قلنا القروء الأطهار فطلّقها في آخر شهرٍ ثمّ مرّ لها شهران وهلّ الثّالث انقضت عدّتها.
17 - يجب على كلّ امرأةٍ حفظ عادتها في الحيض والنّفاس عدداً ومكاناً فإن أضلّت عادتها في النّفاس ولم يجاوز الدّم أربعين, فيرى الحنفيّة أنّ كلّه نفاس كيف كانت عادتها وتترك الصّلاة والصّوم, فلا تقضي شيئاً من الصّلاة بعد الأربعين. فإن جاوز الأربعين تتحرّى, فإن لم يغلب ظنها على شيءٍ من الأربعين أنّه كان عادةً لها قضت صلاة الأربعين لجواز أنّ نفاسها كان ساعةً, ولأنّها لم تعلم كم عادتها حتّى تردّ إليها عند المجاوزة على الأكثر, فإن قضتها في حال استمرار الدّم تعيد بعد عشرة أيّامٍ لاحتمال حصول القضاء أوّل مرّةٍ في حالة الحيض, والاحتياط في العبادات واجب. قال ابن عابدين: لم أر من ذكر حكم صومها إذا أضلّت عادتها في النّفاس والحيض معاً, وتخريجه على ما مرّ أنّها إذا ولدت أوّل ليلةٍ من رمضان وكان الشّهر كاملاً, وعلمت أنّ حيضها يكون باللّيل أيضاً تصوم رمضان لاحتمال أنّ نفاسها ساعة, ثمّ إذا قضت موصولاً تقضي تسعةً وأربعين لأنّها تفطر يوم العيد ثمّ تصوم تسعةً يحتمل أنّها تمام نفاسها فلا تجزيها ثمّ خمسة عشر وهي طهر فتجزي, ثمّ عشرةً تحتمل الحيض فلا تجزي, ثمّ خمسة عشر هي طهر فتجزي, والجملة تسعة وأربعون صحّ منها ثلاثون. ولو ولدت نهاراً وعلمت أنّ حيضها بالنّهار أو لم تعلم تقضي اثنين وستّين لأنّها تفطر يوم العيد, ثمّ تصوم عشرةً لا تجزئ لاحتمال أنّها آخر نفاسها ثمّ تصوم خمسةً وعشرين يوماً يجزيها منها أربعة عشر ولا تجزي أحد عشر, ثمّ تصوم خمسةً وعشرين كذلك فقد صحّ لها في الطهرين ثمانية وعشرون, ثمّ تصوم يومين تمام الثّلاثين, والجملة اثنان وستون. وعلى هذا يستخرج حكم ما إذا قضته مفصولاً وما إذا كان الشّهر ناقصاً وما إذا علمت عدد أيّام حيضها فقط. ويرى المالكيّة على المشهور أنّ أكثر زمن النّفاس إذا تمادى متّصلاً أو منقطعاً ستون يوماً ثمّ هي مستحاضة ولا تستظهر على السّتّين كبلوغ الحيض خمسة عشر, وقال الخرشي بعد نقل هذا القول: وظاهره أنّها لا تعوّل على عادتها خلافاً لما في الإرشاد، وفي الإرشاد: تعوّل على عادتها. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المعتادة النّاسية لعادتها في النّفاس يجري فيها الخلاف الجاري في المتحيّرة في الحيض, ففي قولٍ هي كالمبتدأة فترد إلى لحظةٍ في قولٍ, وإلى أربعين يوماً في قولٍ, وعلى المذهب تؤمر بالاحتياط, ورجّح إمام الحرمين - هنا - الرّدّ إلى مردّ المبتدأة لأنّ أوّل النّفاس معلوم وتعيين أوّل الهلال للحيض تحكم لا أصل له. قال الرّافعي: فإذا قلنا بالاحتياط فإن كانت مبتدأةً في الحيض وجب الاحتياط أبداً, لأنّ أوّل حيضها مجهول, والمبتدأة إذا جهلت ابتداء دمها كانت كالمتحيّرة, وإن كانت معتادةً ناسيةً لعادتها استمرّت - أيضاً - على الاحتياط أبداً, وإن كانت ذاكرةً لعادة الحيض فقد التبس عليها الدّور لالتباس آخر النّفاس فهي كمن نسيت وقت الحيض دون قدره. وقال الحنابلة: إن زاد دم النفساء على أربعين يوماً فصادف عادة الحيض فهو حيض, وإن لم يصادف عادة الحيض فهو استحاضة, قال أحمد: إذا استمرّ بها الدّم فإن كان في أيّام حيضها الّذي تقعده أمسكت عن الصّلاة ولم يأتها زوجها, وإن لم يكن لها أيّام كانت بمنزلة المستحاضة تتوضّأ لكلّ صلاةٍ وتصوم وتصلّي إن أدركها رمضان ولا تقضي ويأتيها زوجها.
1 - المتردّية في اللغة هي الّتي تقع من جبلٍ أو تطيح في بئرٍ أو تسقط من موضعٍ مشرفٍ فتموت, قال اللّيث: التّردّي هو التّهور في مهواةٍ, وتردّى في الهوّة ونحوها, أو من عالٍ: سقط, وردّى في البئر أو النّهر: سقط كتردّى, والرّدى: الهلاك, وأرديته: أهلكته. ويقال رديته بالحجارة أرديه: رميته. والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ. أ - المنخنقة: 2 - المنخنقة هي الّتي تموت خنقاً, وهو حبس النّفس سواء فعل بها ذلك آدميّ أو اتّفق لها ذلك في حبلٍ أو بين عودين أو نحوه. ب - الموقوذة: 3 - الموقوذة هي الشّاة تضرب حتّى تموت من غير تذكيةٍ, وقد وقذ الشّاة وقذاً وهي موقوذة ووقيذ: قتلها بالخشب. ج - النّطيحة: 4 - النّطيحة فعيلة بمعنى مفعولةٍ, وهي الشّاة تنطحها أخرى أو غير ذلك فتموت قبل أن تذكّى. والصّلة بين هذه الألفاظ الثّلاثة والمتردّية أنّها جميعاً لا تؤكل ما لم تدرك بالتّذكية الشّرعيّة. 5 - ذهب الفقهاء إلى حرمة أكل المتردّية إذا لم تدرك بالذّكاة قبل موتها لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}. وذهبوا - أيضاً - إلى أنّ المتردّية إذا أدركت ذكاتها قبل أن تموت وهي حيّة فهي حلال, إلا أنّهم اختلفوا في ضابط الحياة الّتي تؤثّر معها الذّكاة. والتّفصيل في مصطلح: (ذبائح ف 17).
1 - المتشابه لغةً: اسم فاعلٍ, فعله تشابه, يقال: تشابها, واشتبها, أشبه كل منهما الآخر حتّى التبسا. ويقال: شبّهه إيّاه وبه تشبيهاً: مثّله. ويقال: أمور مشتبهة ومشبّهة: مشكلة. والشبهة: الالتباس, والمثل. وشبّه عليه الأمر تشبيهاً: لبّس عليه. واصطلاحاً: اختلف في تعريف المتشابه, والصّحيح كما قال أبو منصورٍ: ما لا يعلم تأويله إلا اللّه. وقال ابن السّمعانيّ: إنّه أحسن الأقاويل, وهو المختار على طريقة السنّة. المحكم: 2 - المحكم: لغةً هو غير المنسوخ, أو ما لا يحتاج سامعه إلى تأويله لبيانه. واصطلاحاً: اختلف فيه, والصّحيح - كما قال أبو منصورٍ - أنّه ما أمكن معرفة المراد بظاهره, أو بدلالة تكشف عنه. 3 - اختلف العلماء في مقتضى المتشابه هل هو الإيمان به والوقوف في تأويله, أو العمل به: قال الزّركشي: محكم القرآن يعمل به, والمتشابه: يؤمن به, ويوقف في تأويله, إن لم يعيّنه دليل قاطع. وقال أبو إسحاق: ولا يجري هذا الخلاف في أحكام الشّريعة إذ ليس شيء منها إلا وعرف بيانه. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
1 - المتعة - بالضّمّ والكسر - في اللغة اسم للتّمتيع, كالمتاع, وأن تتزوّج امرأةً تتمتّع بها أيّاماً ثمّ تخلّي سبيلها, وأن تضمّ عمرةً إلى حجّك وقد تمتّعت واستمتعت, وما يتبلّغ به من الزّاد. وفي الاصطلاح معنى لفظ المتعة يختلف باختلاف ما يضاف إليه, فمتعة العمرة: أن يحرم من الميقات بالعمرة في أشهر الحجّ, ويفرغ منها, ثمّ ينشئ حجاً من مكّة أو من الميقات الّذي أحرم منه بالعمرة, وسمّيت متعةً لتمتع صاحبها بمحظورات الإحرام بين النسكين, أو لتمتعه بسقوط العودة إلى الميقات للحجّ. والتّفصيل في: (إحرام ف 30). وأمّا متعة النّكاح فهي أن يقول الرّجل لامرأة خاليةٍ من الموانع أتمتّع بك كذا مدّةً بكذا من المال. وأمّا متعة الطّلاق فهي كما عرّفها الشّربيني الخطيب: مال يجب على الزّوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط.
تتعلّق بالمتعة أحكام تختلف باختلاف نوع المتعة على النّحو التّالي: أ - المتعة للطّلاق: 2 - ذهب الفقهاء إلى مشروعيّة المتعة للمطلّقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها مهر, لقول اللّه تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}. والتّفصيل في مصطلح: (متعة الطّلاق). ب - متعة الحجّ: 3 - لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة التّمتع بالعمرة إلى الحجّ لقول اللّه تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. والتّفصيل في مصطلح: (تمتع ف 4 وما بعدها). ج - متعة النّكاح: 4 - ويطلق عليها الفقهاء نكاح المتعة وقد ذهب إلى حرمة هذا النّكاح الحنفيّة, والمالكيّة, والشّافعيّة, والحنابلة, وكثير من السّلف. والتّفصيل في: (نكاح المتعة).
1 - المتعة لغةً: اسم مشتق من المتاع, وهو جميع ما ينتفع أو يستمتع به. وفي الاصطلاح: قال الشّربيني الخطيب: مال يجب على الزّوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط.
2 - اختلف الفقهاء في الحكم التّكليفيّ للمتعة: فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المتعة تجب لمطلّقة قبل الدخول إن لم يجب لها شطر مهرٍ بأن كانت مفوّضةً ولم يفرض لها شيء لقول اللّه تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}. قال البهوتي: والأمر يقتضي الوجوب ولا يعارضه قوله: {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} لأنّ أداء الواجب من الإحسان, وقال الشّربيني الخطيب: ولأنّ المفوّضة لم يحصل لها شيء فتجب لها متعة للإيحاش أمّا إذا فرض لها في التّفويض شيء فلا متعة لها لأنّه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي شطر مهرها لما لحقها من الاستيحاش والابتذال. وأضاف الحنفيّة إلى حالة وجوب المتعة حالتين أخريين: إحداهما: تكون المتعة فيها مستحبّةً وهي المطلّقة المدخول بها، سواء سمّي لها مهر أو لم يسمّ. والحالة الثّانية: تكون المتعة فيها غير مستحبّةٍ وهي الّتي طلّقها قبل الدخول وقد سمّى لها مهراً. وقال الشّافعيّة: تجب المتعة للمطلّقة ونحوها الموطوءة في الأظهر الجديد سواء أفوّض طلاقها إليها فطلقت أم علّقه بفعلها ففعلت, لعموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ومقابل الأظهر وهو القديم لا متعة لها لاستحقاقها المهر وفيه غنيّة عن المتعة. وقالوا: وكل فرقةٍ لا بسببها بأن كانت من الزّوج كردّته ولعانه وإسلامه, أو من أجنبيٍّ كإرضاع أمّ الزّوج أو بنت زوجته ووطء أبيه أو ابنه لها بشبهة حكمها كالطّلاق في إيجاب المتعة وعدمه أي إذا لم يسقط بها الشّطر, أمّا إذا كانت الفرقة منها أو بسببها كردّتها وإسلامها ولو تبعاً أو فسخه بعيبها فلا متعة لها, سواء أكانت قبل الدخول أم بعده لأنّ المهر يسقط بذلك ووجوبه آكد من وجوب المتعة بدليل أنّهما لو ارتدّا معاً لا متعة ويجب الشّطر. وقال الحنابلة: تستحب المتعة لكلّ مطلّقةٍ غير المفوّضة الّتي لم يفرض لها لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}. وقال المالكيّة: تندب المتعة لكلّ مطلّقةٍ طلاقاً بائناً في نكاحٍ لازمٍ, إلا المختلعة والمفروض لها صداق وطلقت قبل البناء ومختارةً لعيب الزّوج ومخيّرةً ومملّكةً في الطّلاق وطلّقت نفسها, لقوله تعالى: {حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، وقوله: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} لأنّ اللّه تعالى جعل المتعة حقاً على المتّقين والمحسنين لا على غيرهما.
3 - لم يرد نص في تحديد مقدار المتعة ولا نوعها. والوارد إنّما هو اعتبار حال الزّوج من الإعسار واليسار, والأخذ بالمعروف. قال اللّه تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ}. واختلف الفقهاء فيمن تعتبر بحاله المتعة: فذهب الحنفيّة في المفتى به عندهم والشّافعيّة إلى أنّه يعتبر في تقدير القاضي المتعة حال الزّوجين كليهما. ونصّ الحنفيّة على أنّه يعتبر حالهما من الإعسار واليسار كالنّفقة وقالوا: المتعة درع وخمار وملحفة لا تزيد على نصف مهر المثل, لأنّ المتعة خلفه فإن كانا سواءً فالواجب المتعة لأنّها الفريضة بالكتاب العزيز وإن كان النّصف أقلّ من المتعة فالواجب الأقل, ولا تنقص المتعة عن خمسة دراهم. واعتبر الكرخي حال الزّوجة واختاره القدوري واعتبر السّرخسي حال الزّوج وصحّحه في الهداية. وقال الشّافعيّة: يعتبر حالهما أي ما يليق بيساره ونحو نسبها وصفاتها المعتبرة في مهر المثل, وقيل: حاله لظاهر الآية, وقيل: حالها لأنّها كالبدل عن المهر وهو معتبر بها وحدها، وقيل: أقل مالٍ يجوز فعله صداقاً. وقالوا: ويستحب أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهماً أو مساويها ويسن ألا تبلغ نصف مهر المثل وإن بلغته أو جاوزته جاز, وقال البلقيني وغيره: لا تزيد وجوباً على مهر المثل. ومحل ذلك ما إذا فرض الحاكم المتعة, أمّا إذا اتّفق عليها الزّوجان فلا يشترط ذلك أي عدم مجاوزتها مهر المثل. وقال المالكيّة والحنابلة: المتعة معتبرة بحال الزّوج المطلّق في يساره وإعساره على الموسع قدره وعلى المقتر قدره للآية السّابقة بخلاف النّفقة فإنّها تقدّر بحالهما. ونصّ الحنابلة على أنّ أعلى المتعة خادم إذا كان الزّوج موسراً وأدناها إذا كان فقيراً كسوة تجزئُها في صلاتها وهي درع وخمار أو نحو ذلك لقول ابن عبّاسٍ: أعلى المتعة خادم ثمّ دون ذلك النّفقة ثمّ دون ذلك الكسوة, وقيّدت الكسوة بما يجزئُها في صلاتها لأنّ ذلك أقل الكسوة.
1 - المتلاحمة في اللغة اسم فاعلٍ من تلاحمت الشّجّة إذا أخذت في اللّحم, أو تلاحمت إذا برأت والتحمت, قال الفيومي: المتلاحمة من الشّجاج الّتي تشق اللّحم ولا تصدع العظم, ثمّ تلتحم بعد شقّها, وقيل: الّتي أخذت في اللّحم ولم تبلغ السّمحاق - أي القشرة الّتي تفصل بين اللّحم والعظم -. وفي الاصطلاح عرّفها أكثر الفقهاء بما يقرب من المعنى اللغويّ. قال الزّيلعي: المتلاحمة هي الّتي تأخذ في اللّحم فتقطعه كلّه ثمّ يتلاحم بعد ذلك أي يلتئم ويتلاصق, سمّيت بذلك تفاؤلاً على ما يؤوّل إليه وتسمّى أيضاً ملاحمةً. وقال المالكيّة: هي الّتي غاصت في اللّحم بتعدد أي يميناً وشمالاً ولم تقرب للعظم, فإن انتفى التّعدد فباضعة. 2 - الحارصة والدّامعة والدّامية والباضعة والسّمحاق كلها شجاج لم تصل إلى العظم وتختص بالرّأس والوجه, يختلف مقدار الشّجّة في كلٍّ منها عن الآخر. وتشترك هذه الشّجاج مع المتلاحمة من الحكم في الجملة, وهو أنّ في كلٍّ منها حكومة عدلٍ ولا يجب فيها القصاص عند جمهور الفقهاء, كما هو مفصّل في مصطلحاتها.
3 - ذهب الشّافعيّة في الصّحيح والحنابلة وهو رواية عند الحنفيّة إلى عدم وجوب القصاص في المتلاحمة وإن كانت عمداً, لأنّه لا يمكن اعتبار المساواة فيها, وليس لها حد ينتهي إليه السّكّين, كما علّله الزّيلعي وإنّما تجب فيها حكومة عدلٍ لأنّها ليس فيها أرش مقدّر من جهة الشّرع, ولا يمكن إهدارها, فتجب فيها حكومة عدلٍ, قال الزّيلعي: وهو مأثور عن إبراهيم النّخعيّ وعمر بن عبد العزيز. وذهب المالكيّة إلى وجوب القصاص في المتلاحمة وأخواتها ما قبل الموضحة إذا كانت عمداً, وذلك بالقياس طولاً وعرضاً وعمقاً. وهذا قول الحنفيّة في ظاهر الرّواية وقول ضعيف عند الشّافعيّة إذا تيسّر استيفاؤه, لظاهر قولـه تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاص}, قال الزّيلعي: إنّه هو الصّحيح, لأن يمكن اعتبار المساواة فيه, إذ ليس فيه كسر العظم, ولا خوف التّلف كالجائفة, فيسبر غورها بمسبار ثمّ يتّخذ حديدةً بقدر ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقّق استيفاء القصاص بذلك. ولتفصيل أحكام المتلاحمة وسائر أنواع الشّجاج ينظر مصطلح: (شجاج ف 6).
1 - المتولّي في اللغة اسم فاعلٍ من تولّى الأمر إذا تقلّده, ويقال: تولاه: اتّخذه ولياً, وتولّيت فلاناً اتّبعته ورضيت به, وأصله من الوليّ بمعنى القرب والنصرة. وفي الاصطلاح: هو من فوّض إليه التّصرف في مال الوقف. وعرّفه بعضهم: بأنّه من تولّى أمر الأوقاف وقام بتدبيرها. واستعمل الشّافعيّة هذه الكلمة في بيع التّولية, فالمشتري الأوّل مولٍّ, ومن قبل التّولية واشترى منه متولٍّ. والمراد بالبحث هنا المتولّي بالمعنى الأوّل. أ - النّاظر: 2 - النّاظر اسم فاعلٍ من النّظر وهو الفكر والتّدبر, يقال: نظر في الأمر: تدبّر وفكّر, ويستعمل النّظر كذلك بمعنى الحفظ, يقال: نظر الشّيء: حفظه. وفي الاصطلاح قال البهوتي: النّاظر هو الّذي يلي الوقف وحفظه, وحفظ ريعه, وتنفيذ شرطه. ونقل ابن عابدين عن الخيريّة أنّ القيّم والمتولّي والنّاظر في كلامهم واحد ثمّ قال: هذا ظاهر عند الإفراد, أمّا لو شرط الواقف متولّياً وناظراً عليه كما يقع كثيراً فيراد بالنّاظر المشرف. وعلى ذلك فالنّاظر أعم من المتولّي. ب - المشرف: 3 - المشرف اسم فاعلٍ من أشرف, يقال: أشرفت عليه: اطّلعت عليه. وفي الاصطلاح يطلق الفقهاء لفظ المشرف على من يكون له حفظ مال الوقف دون التّصرف فيه, قال ابن عابدين: ويحتمل أن يراد بالحفظ مشارفته - أي مراقبته - للمتولّي عند التّصرف لئلا يفعل ما يضر. والعلاقة بين المشرف والمتولّي هي أنّ كلّ واحدٍ منهما يعمل لصالح الوقف, المتولّي بالتّصرف والمعاملة, والمشرف بالحفظ والمراقبة.
4 - من المقرّر شرعاً أنّ الأموال لا تترك سائبةً, وأموال الوقف تحتاج إلى رعايةٍ وإدارةٍ كسائر الأموال, فلا بدّ أن يكون هناك شخص يحفظها ويدير شؤونها, ويقوم بعمارتها وإيجارها وزرعها واستغلالها وتحصيل ريعها, وصرف غلّتها إلى مستحقّيها, وهو المتولّي. ولا بدّ أن يكون المتولّي أميناً قادراً على إدارة شؤون الوقف حتّى تتحقّق مقاصد الوقف وأغراض الواقف على الوجه المشروع.
5 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواقف إذا اشترط الولاية لشخص يؤخذ بشرطه سواء أكان المشروط له من أقارب الواقف أم من الأجانب, وسواء أكان من المستحقّين في الغلّة أم لا, وذلك لأنّ شرط الواقف كنصّ الشّارع ما لم يكن مخالفاً للشّرع, وهذا إذا كان المشروط له أهلاً للتّولّي مستكملاً لشروط الولاية على الوقف. أمّا إذا لم يشترط الواقف الولاية لأحد أو شرطها فمات المشروط له فاختلف الفقهاء في ذلك: فقال الحنفيّة: ولاية نصب القيّم إلى الواقف, ثمّ لوصيّه لقيامه مقامه وإذا مات المشروط له قبل وفاة الواقف فالرّاجح أنّ ولاية النّصب للواقف, وإذا مات بعد وفاة الواقف ولم يوص - أي المشروط له - لأحد فولاية النّصب للقاضي. وما دام أحد يصلح للتّولّية من أقارب الواقف لا يجعل المتولّي من الأجانب لأنّه أشفق, ومن قصده نسبة الوقف إليه. وقريب منه ما قاله المالكيّة, لكنّهم صرّحوا بأنّ النّاظر ليس له الإيصاء بالنّظر إلى غيره إلا أن يجعل له الواقف ذلك. فإن لم يعيّن الواقف ناظراً يتولّى أمر الوقف الموقوف عليه إذا كان رشيداً, وإن كان المستحق غير معيّنٍ, فالحاكم يولّي عليه من شاء. وعند الشّافعيّة إن وقف ولم يشترط التّولية لأحد ثلاثة طرقٍ. قال النّووي: والّذي يقتضي كلام معظم الأصحاب الفتوى به أن يقال: إن كان الوقف على جهةٍ عامّةٍ فالتّولية للحاكم, كما لو وقف على مسجدٍ أو رباطٍ, وإن كان على معيّنٍ فكذلك إن قلنا: الملك ينتقل إلى اللّه تعالى وإن جعلناه للواقف أو الموقوف عليه فكذلك التّولية. أمّا الحنابلة فقالوا: إن شرط النّظر لإنسان فمات المشروط له فليس للواقف ولاية النّصب لانتفاء ملكه, ويكون النّظر للموقوف عليه إن كان آدمياً معيّناً كزيد, أو جمعاً محصوراً, كأولاده أو أولاد زيدٍ كل واحدٍ على حصّته. أمّا إذا كان الموقوف عليه غير محصورٍ كالوقف على الفقراء والمساكين والغزاة أو الموقوف على مسجدٍ أو مدرسةٍ أو رباطٍ أو قنطرةٍ فالنّظر للحاكم أو من يستنيبه.
6 - يشترط في المتولّي عند أكثر الفقهاء العدالة والقدرة على التّصرف والأمانة وهذا في الجملة, واشترط بعضهم الإسلام والتّكليف أيضاً, وفصّل بعضهم على النّحو التّالي: 7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط في المتولّي الأمانة والعدالة, فلا يولّى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه, لأنّ الولاية مقيّدة بشرط النّظر, وليس من النّظر تولية الخائن, لأنّه يخل بالمقصود, وكذا تولية العاجز لأنّ المقصود لا يحصل به, ويستوي فيه الذّكر والأنثى, وكذا الأعمى والبصير. وكذا المحدود في قذفٍ إذا تاب لأنّه أمين. وقالوا من طلب التّولية على الوقف لا يعطى له, وهو كمن طلب القضاء لا يقلّد. قال ابن عابدين: والظّاهر أنّها شرائط الأولويّة لا شرائط الصّحّة, وأنّ النّاظر إذا فسق استحقّ العزل, ولا ينعزل, كالقاضي إذا فسق لا ينعزل على الصّحيح المفتى به. ثمّ قال: ويشترط للصّحّة - أي صحّة تولية الواقف - بلوغه وعقله, لا حرّيّته وإسلامه, وعلى ذلك فالصّبي لا يصلح ناظراً. ثمّ نقل عن بعضهم القول بصحّة تولية الصّبيّ, ووفّق بين القولين بحمل عدم الجواز على ما إذا كان الصّبي غير أهلٍ للحفظ, بأن كان لا يقدر على التّصرف, أمّا القادر عليه فتكون توليته من القاضي إذناً له في التّصرف, كما أنّ القاضي يملك إذن الصّبيّ, وإن كان الولي لا يأذن له. أمّا المالكيّة فلم يشترطوا في النّاظر شروطاً خاصّةً لكنّهم قالوا: يجعله المحبس لمن يوثق به في دينه وأمانته, فإن غفل المحبس عن ذلك كان النّظر فيه للقاضي يقدّم له من يقتضيه, وقال الحطّاب: يقدّم له من يرتضيه. وقال الشّافعيّة: شرط النّاظر العدالة وإن كان الوقف على رشداء معيّنين, لأنّ النّظر ولاية, كما في الوصيّ والقيّم, والأوجه عندهم أنّه يعتبر في منصوب الحاكم العدالة الباطنة, وينبغي أن يكتفى في منصوب الواقف بالعدالة الظّاهرة. ويشترط فيه كذلك الكفاية, وفسّروها بقوّة الشّخص وقدرته على التّصرف فيما هو ناظر فيه, فإن اختلّت إحداهما نزع الحاكم الوقف منه وإن كان المشروط له النّظر الواقف. وذكر النّووي شرطاً آخر وهو الاهتداء إلى التّصرف, وإن كان الشّربيني الخطيب قال: إنّ في ذكر الكفاية كفايةً عن هذا الشّرط. أمّا الحنابلة فقد فصّلوا بين النّاظر المشروط وبين من يتولّى النّظر من قبل الحاكم فقالوا: يشترط في النّاظر المشروط: الإسلام والتّكليف والكفاية في التّصرف والخبرة به والقوّة عليه, لأنّ مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعاً, وإن لم يكن النّاظر متّصفاً بهذه الصّفة لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف. ولا تشترط فيه الذكوريّة ولا العدالة, ويضم إلى الفاسق عدل, وإلى الضّعيف قوي أمين.
8 - وظائف المتولّي غير محصورةٍ عند التّولية المطلقة, فله أن يعمل كلّ ما يراه مصلحةً للوقف وذكر بعض الفقهاء في ذلك ضابطاً فقالوا: يتحرّى في تصرفاته النّظر للوقف والغبطة, لأنّ الولاية مقيّدة به. وذكر بعض الفقهاء أمثلةً لهذه الوظائف, قال الشّربيني الخطيب: وظيفته عند الإطلاق أو تفويض جميع الأمور: العمارة والإجارة وتحصيل الغلّة وقسمتها على مستحقّيها, وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط, لأنّه المعهود في مثله, فإن فوّض له بعض هذه الأمور لم يتعدّه اتّباعاً للشّرط كالوكيل. ومثله ما ذكره الحنابلة, وأضافوا عليها وظائف أخرى, قال الحجّاوي: وظيفة النّاظر حفظ الوقف وعمارته وإيجاره وزرعه ومخاصمة فيه, وتحصيل ريعه من أجرةٍ أو زرعٍ أو ثمرٍ, والاجتهاد في تنميته, وصرفه في جهاته من عمارةٍ وإصلاحٍ وإعطاء مستحقٍّ ونحوه, وله وضع يده عليه, والتّقرير في وظائفه, وناظر الوقف ينصب من يقوم بوظائفه من إمامٍ ومؤذّنٍ وقيّمٍ وغيرهم, كما أنّ للنّاظر الموقوف عليه نصب من يقوم بمصلحته.
9 - الأصل عند الفقهاء أنّ المتولّي وكيل عن الغير, يتصرّف بإذنه لكنّهم اختلفوا فيمن يكون هذا الغير, هل هو الواقف أو الموقوف عليهم والمستحقون ؟. للفقهاء في المسألة اتّجاهان: الاتّجاه الأوّل: أنّ المتولّي وكيل عن الواقف حال حياته فله عزله واستبداله مطلقاً, بسبب أو دون سببٍ, وهذا ما يراه فقهاء المالكيّة. قال الدسوقي نقلاً عن القرافيّ: القاضي لا يعزل ناظراً إلا بجنحة وللواقف عزله ولو بغير جنحةٍ. وعند الشّافعيّة قال النّووي: للواقف أن يعزل من ولاه, وينصب غيره, كما يعزل الوكيل, وكأنّ المتولّي نائب عنه: هذا هو الصّحيح. وعند الحنفيّة قال في الإسعاف: المتولّي وكيل الواقف, فله عزله, وإن شرط على نفسه عدم العزل, وإذا كان النّاظر وكيلاً عن الواقف فله أحكام الوكيل في حالة وفاة موكّله أيضاً, فينعزل بموت الواقف, كما ينعزل بعزل نفسه إذا علم به الواقف. قال في الإسعاف: لو جعل الولاية لرجل ثمّ مات بطلت ولايته بناءً على الوكالة إلا أن يجعلها له في حياته وبعد مماته فيصير وصياً بعد موته. الاتّجاه الثّاني هو: أنّ النّاظر وكيل عن المستحقّين والموقوف عليهم, وهذا هو الظّاهر عند الحنابلة ورأي محمّد بن الحسن من الحنفيّة, وعلى هذا فإذا شرط الواقف النّظر لغيره ليس للواقف أن يعزله إلا إذا كان قد شرط لنفسه ولاية عزل المتولّي, كما نصّ عليه في الإسعاف, والسّبب في ذلك أنّ المتولّي قائم مقام أهل الوقف ومقتضى ذلك أنّ المتولّي لا ينعزل بوفاة الواقف أيضاً. وهذا كله في حالة العزل العادي الّتي لم يصدر من المتولّي فيها ما يستوجب عزله. أمّا إذا صدر منه عمل يستوجب عزله كالخيانة مثلاً فللقاضي عزله وإن كان المتولّي هو الواقف, أو شرط عدم عزل المتولّي, لأنّ الولاية مقيّدة بشرط النّظر والصّلاحيّة لشغل التّولية فإذا فقدت انتزع الحاكم الوقف منه. قال ابن نجيمٍ في البحر: ويعزل القاضي الواقف المتولّي على وقفه لو كان خائناً كما يعزل الوصي الخائن نظراً للوقف واليتم, ولا اعتبار بشرط الواقف أن لا يعزله القاضي أو السلطان, لأنّه شرط مخالف لحكم الشّرع فبطل. واستفيد منه أنّ للقاضي عزل المتولّي الخائن غير الواقف بالأولى. وصرّح بعض الفقهاء بأنّ عزل القاضي للخائن واجب عليه يأثم بتركه لكنّهم قالوا: لا يعزل القاضي النّاظر بمجرّد الطّعن في أمانته ولا يخرجه إلا بخيانة ظاهرةٍ بيّنةٍ, وله إدخال غيره معه إذا طعن في أمانته, وإذا أخرجه ثمّ تاب وأناب أعاده.
انظر: مقادير.
1 - المثل في اللغة: الشّبه, يقال: هذا مثله ومثيله, كما يقال شبيهه وشبهه, وقال في اللّسان: مثل: كلمة تسويةٍ. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ. أ - المساوي: 2 - المساوي: اسم فاعلٍ من المساواة وهي لغةً مصدر: ساوى, وقد فرّق بعض اللغويّين بينها وبين المماثلة فقالوا: إنّ المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتّفقين, وأمّا المماثلة فلا تكون إلا في المتّفقين. ب - القيمة: 3 - القيمة لغةً: الثّمن الّذي يقوّم به المتاع. وفي الاصطلاح: ما قوّم به الشّيء بمنزلة المعيار من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ.
يتعلّق بالمثل أحكام منها: 4 - عوض المثل هو: بدل مثل شيءٍ مطلوب بالشّرع غير مقدّرٍ فيه, أو بالعقد لكنّه لم يذكر أو ذكر لكنّه فسد المسمّى, أو كان بسبب عقدٍ فاسدٍ. يقول ابن تيميّة: عوض المثل كثير الدّوران في كلام العلماء مثل قولهم: قيمة المثل, وأجرة المثل, ومهر المثل, ونحو ذلك, ويحتاج إليه فيما يضمن بالإتلاف من النفوس والأموال والأبضاع والمنافع. ويشمل عوض المثل ما يأتي: أ - إذا لم يذكر في عقد النّكاح مهر، أو ذكر ولكنّه لا يعتد به الشّرع مثل كون المسمّى محرّماً أو ليس بمتقوّم, وهذا يسمّى: مهر المثل. ب - إذا كان بين العاقدين اتّفاق ولكنّه لم يذكر فيه المسمّى, أو أصبح المسمّى معدوماً, أو فاسداً, أو أصبح العقد فاسداً, أو منسوخاً ولكنّه ترتّب عليه أنّ أحد العاقدين كان قد نفذ من العقد شيئاً, أو أهلك المعقود عليه, أو كان العقد قرضاً ووجب فيه رد القيمة, أو نحو ذلك, وهذا النّوع يدخل فيه أجر المثل في الإجارة الفاسدة, أو المضاربة الفاسدة أو نحوهما, وكذلك يدخل فيه ثمن المثل. ج - ما كان نتيجة إتلافٍ لكنّه لم ينصّ الشّرع على تحديد مقدار الضّمان فيه, وهذا ما يسمّى بضمان المثل.
5 - ضابط عوض المثل ما تتحقّق به العدالة, يقول ابن تيميّة: عوض المثل. أمر لا بدّ منه في العدل الّذي به تتم مصلحة الدنيا والآخرة. ومداره على القياس والاعتبار للشّيء بمثله, وهو نفس العدل, ونفس العرف الدّاخل في قوله تعالى: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ} وقوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} وهو معنى القسط الّذي أرسل اللّه له الرسل وأنزل له الكتب. ولذلك يدخل في اعتباره كل الظروف والملابسات الّتي تحيط به, ويراعى فيه الزّمان والمكان والعرف السّائد, ورغبات النّاس, ولذلك يقال: قيمة المثل: ما يساوي الشّيء في نفوس ذوي الرّغبات, مع ملاحظة الزّمان والمكان والعرض والطّلب ونحو ذلك.
6 - نصّ الشّافعيّة على أنّ التّقويم في المغصوب يعتبر بغالب النقود لا بأدناها, وفي السّرقة قال الماورديّ: إن كان في البلد نقدان من الذّهب, وأحدهما أعلى قيمةً اعتبرت القيمة بالأقلّ في زمان السّرقة.
7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ما وجب فيه الضّمان إن كان ممّا لا مثل له فعليه قيمته, لأنّه تعذّر إيجاب المثل صورةً ومعنىً فيجب المثل معنىً وهو القيمة لأنّها المثل الممكن. والتّفصيل في مصطلح: (قيمة ف 7).
8 - من المضمونات ما تجب فيه القيمة والمثل معاً, وذلك في الصّيد المملوك إذا قتله المحرم أو قتله الحلال في الحرم. والتّفصيل في مصطلح: (قيمة ف 11).
9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الزّوجة يجب لها مهر المثل في أحوالٍ منها: إذا دخل بها الزّوج ولم يفرض لها صداقاً فإنّه يتقرّر لها بالدخول مهر المثل. والتّفصيل في مصطلح: (مهر).
10 - قال السيوطيّ: ثمن المثل ذكر في مواضع: في شراء الماء في التّيمم, وشراء الزّاد ونحوه في الحجّ, وفي بيع مال المحجور والمفلس ونحوهما, ومثل المغصوب, وإبل الدّية وغيرها, ويلحق بها كل موضعٍ اعتبرت فيه القيمة فإنّها عبارة عن ثمن المثل. وقال: وحقيقته أنّه يختلف باختلاف المواضع والتّحقيق أنّه راجع إلى الاختلاف في وقت اعتباره أو مكانه.
11 - لأجرة المثل تطبيقات كثيرة ولا سيّما في أبواب الإجارة والشّركة والمساقاة, والمضاربة, والجعالة إذا أصبحت فاسدةً وكان الأجير أو العامل قد قام بعمل, وكذلك في باب الحجّ لا يطالب أن يعطى الأجير أكثر من أجرة المثل, وكذلك في باب الغصب إذا فاتت في يد الغاصب المنافع - عند الجمهور - وكذلك النّاظر على الوقف إذا لم يحدّد له الواقف شيئاً فإنّه يستحق أجرة المثل, وكذلك العامل على الزّكاة, والقسّام, والقاضي, والدّلال ونحوهم إذا لم يحدّد لهم أجر معيّن.
12 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب للعامل في المضاربة الفاسدة أجر مثله. وذهب المالكيّة إلى أنّ العامل في القراض الفاسد قد يكون له أجر مثله, وقد يكون له قراض مثله في ربح المال, وقد يكون له أجر مثله وقراض مثله في ربحه. وقالوا: إنّ أجرة المثل تثبت للعامل في ذمّة ربّ المال, وأمّا قراض المثل فيكون من ربح مال المضاربة إن ربح, فإن لم يربح فلا شيء للعامل. والضّابط عندهم: أنّ كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة القراض من أصلها ففيها أجرة المثل, وأمّا إن شملها القراض لكن اختلّ منها شرط ففيها قراض المثل. والتّفصيل في مصطلح: (مضاربة).
انظر: أشربة.
1 - المثلة: بفتح الميم وضمّ الثّاء أو بضمّ الميم وسكون الثّاء -: العقوبة والتّنكيل. قال ابن الأنباريّ: المثلة العقوبة المبينة من المعاقب شيئاً وهو تغيير الصورة, فتبقى قبيحةً من قولهم: مثّل فلان بفلان: إذا قبّح صورته إمّا بقطع أذنه أو جدع أنفه أو سمل عينيه أو بقر بطنه, هذا هو الأصل, ثمّ يقال للعار الباقي والخزي اللازم مثلةً. وفي التّنزيل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ}. قال الرّازيّ: معنى الآية: ويستعجلونك بالعذاب الّذي لم يعاجلهم به, وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية فلم يعتبروا بها, وكان ينبغي أن يردعهم خوف ذلك عن الكفر اعتباراً بحال من سبق. وفي الاصطلاح: المثلة: العقوبة الشّنيعة كرضّ الرّأس وقطع الأذن أو الأنف. العذاب: 2 - هو في أصل اللغة: الضّرب الشّديد, ثمّ استعمل في كلّ عقوبةٍ مؤلمةٍ. وفي الاصطلاح قال الرّاغب الأصفهاني: العذاب هو الإيجاع الشّديد والمثلة نوع من العذاب وهي أخص منه. 3 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنّ المثلة ابتداءً بالحيّ حرام, وبالإنسان ميّتاً كذلك, واستدلوا بما روى عمران بن حصينٍ رضي الله عنه: قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصّدقة, وينهانا عن المثلة». وبما روى صفوان بن عسّالٍ قال: «بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سريّةٍ فقال: سيروا باسم اللّه وفي سبيل اللّه, قاتلوا من كفر باللّه ولا تمثّلوا». وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيءٍ فإن قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح, وليحدّ أحدكم شفرته فليرح ذبيحته». وبما روى هشام بن زيدٍ: قال: دخلت مع أنسٍ رضي الله عنه على الحكم بن أيوب فرأى غلماناً أو فتياناً نصبوا دجاجةً يرمونها, فقال أنس رضي الله عنه: «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم». وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: «لعن النّبي صلى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان».
4 - قال الفقهاء: يحرم التّمثيل بالكفّار بقطع أطرافهم وقلع أعينهم وبقر بطونهم بعد القدرة عليهم, أمّا قبل القدرة فلا بأس به. ونصّ المالكيّة على أنّ الكفّار إن مثّلوا بمسلم مثّل بهم كذلك معاملةً بالمثل. وقال الحنابلة: يكره المثلة بقتل الكفّار وتعذيبهم, لما روى سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحثنا على الصّدقة وينهانا عن المثلة».
5 - قال الشّافعيّة والحنابلة: يكره حمل رأس الكافر العدوّ لما روى عقبة بن عامرٍ قال: إنّ عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بعثا بريداً إلى أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه برأس يناق بطريق الشّام فلمّا قدم على أبي بكرٍ رضي الله عنه أنكر ذلك فقال له عقبة: يا خليفة رسول اللّه: فإنّهم يصنعون ذلك، فقال: أفاستنان بفارس والروم ؟ لا يحمل إليّ رأس فإنّما يكفي الكتاب والخبر. ولحديث سمرة بن جندبٍ السّابق. وقال المالكيّة: يحرم حمل رأس كافرٍ عدوٍّ من بلد قتله إلى بلدٍ آخر, أو لأمير جيشٍ في بلد القتال. واعتبروا ذلك مثلةً. وقال الحنفيّة: لا بأس بحمل رأس المشرك إذا كان في ذلك غيظهم: بأن كان المشرك من عظمائهم. وقالوا: وقد حمل ابن مسعودٍ يوم بدرٍ رأس أبي جهلٍ وألقاه بين يديه عليه الصلاة والسلام. 6 - يرى جمهور الفقهاء أنّه لا يجوز تسخيم الوجه أي تسويده بالسخام وهو السّواد الّذي يتعلّق بأسفل القدر ومحيطه, من كثرة الدخان. وقالوا: لأنّ الوجه أشرف الأعضاء ومعدن جمال الإنسان, ومنبع حوّاسه فوجب الاحتراز عن تجريحه وتقبيحه, وهو الصورة الّتي خلقها اللّه وكرّم بها بني آدم فيعتبر كل تغييرٍ فيها مثلةً. قال السّرخسي: الدّليل قد قام على انتساخ حكم التّسخيم للوجه فإنّ ذلك مثلة, وقد نهى النّبي صلّى اللّه عليه سلّم عن المثلة ولو بالكلب العقور. وقال الشّافعيّة وبعض الحنابلة: إنّ للإمام أن يعزّر بما يراه مناسباً من ضربٍ غير مبرّحٍ وحبسٍ وصفعٍ وكشف رأسٍ وتسويد وجهٍ. وللتّفصيل: (ر: تسويد ف 16، وشهادة الزور ف 6 - 7).
1 - المثليّات في اللغة: جمع المثليّ, والمثلي منسوب إلى المثل بمعنى الشّبه, قال ابن منظورٍ: المثل كلمة تسويةٍ, يقال: هذا مِثله ومَثَله كما يقال: شبهه وشَبَهه بمعنى. وفي الاصطلاح المثلي: كل ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوتٍ يعتد به, بحيث لا يختلف بسببه الثّمن. وذكر النّووي في ضبط المثليّ وجوهاً, ثمّ اختار بأنّه ما حصره كيل أو وزن وجاز السّلم فيه. القيميّات: 2 - القيميّات جمع القيميّ, والقيمي منسوب إلى القيمة, وهي ثمن الشّيء بالتّقويم, قال الفيومي: القيمة: الثّمن الّذي يقاوم به المتاع أي يقوم مقامه. والقيمي في الاصطلاح ما لا يوجد له مثل في الأسواق, أو يوجد لكن مع التّفاوت المعتدّ به في القيمة. وعلى ذلك فالقيميّات مقابل المثليّات من الأموال.
للمثليّات أحكام منها:
3 - اتّفق الفقهاء على أنّ من العقود ما يصح في القيميّات كما يصح في المثليّات ومن هذه العقود عقد البيع وعقد الإجارة وعقد الهبة ونحوها. واختلفوا في اشتراط كون المعقود عليه من الأموال المثليّة في بعض العقود كعقد السّلم وعقد القرض, وشركة الأموال ونحوها, وبيان ذلك فيما يلي: أ - عقد السّلم: 4 - اشترط الفقهاء لصحّة السّلم أن يكون المعقود عليه - المسلم فيه - ديناً موصوفاً في الذّمّة - ذمّة المسلم إليه -, وبناءً على ذلك قالوا: إنّ ما يصح أن يكون مسلماً فيه من الأموال هو المثليّات, كالمكيلات والموزونات وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أسلف في تمرٍ فليسلف في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ». وقد عدّ جمهور الفقهاء المذروعات المتماثلة الآحاد, والعدديّات المتقاربة أو المتساوية من جملة المثليّات الّتي تقبل الثبوت في الذّمّة ديناً في عقد السّلم, فيصح كونها مسلماً فيها, قياساً على المكيلات والموزونات للعلّة الجامعة بينها, وهي رفع الجهالة بالمقدار. واستثنى الحنفيّة من المثليّات النقود وقالوا بعدم جواز كون المسلم فيه نقداً, قال الكاساني في شروط المسلم فيه: ومنها أن يكون ممّا يتعيّن بالتّعيين فإن كان ممّا لا يتعيّن بالتّعيين كالدّراهم والدّنانير لا يجوز السّلم فيه, لأنّ المسلم فيه مبيع. والمبيع ممّا يتعيّن بالتّعيين والدّراهم والدّنانير لا تتعيّن بالتّعيين في عقود المعاوضات. أمّا القيميّات فما يمكن ضبط صفاته يصح السّلم فيه, وما لا يمكن ضبطه بالصّفات فلا يصح السّلم فيه, لأنّه يفضي إلى المنازعة, وعدمها مطلوب شرعاً. وينظر التّفصيل في مصطلح: (سلم ف 20, 21). ب - عقد القرض: 5 - اتّفق الفقهاء على جواز القرض في الأموال المثليّة لأنّ القرض يقتضي ردّ المثل وهذا ميسّر في الأموال المثليّة من المكيلات والموزونات, وكذا العدديّات والمذروعات المتقاربة الّتي يمكن ضبطها. واختلف الفقهاء في صحّة قرض غير المثليّات: فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأظهر عندهم, إلى جواز قرض كلّ ما يصح فيه السّلم من عرضٍ وحيوانٍ ومثليٍّ وذلك لصحّة ثبوته في الذّمّة, ولما ورد في الأثر: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استسلف من رجلٍ بكراً» أي ثنياً من الإبل, وذلك ليس بموزون ولا مكيلٍ. واستثنى الجمهور من جواز قرض كلّ ما يصح فيه السّلم الجارية الّتي تحل للمقترض, فلا يصح قرضها لما فيه من معنى إعارة الجواري للوطء وهو ممتنع. أمّا ما لا يسلم فيه, فلا يجوز إقراضه عندهم لأنّ ما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذّر أو يتعسّر رد مثله. وعند الحنفيّة لا يجوز القرض في غير المثليّات, كحيوان وحطبٍ وعقارٍ وكلّ متفاوتٍ لتعذر ردّ المثل الّذي هو مقتضى عقد القرض, قال ابن عابدين: القرض لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه, فيستلزم إيجاب المثل في الذّمّة وهذا لا يتأتّى في غير المثليّ. ونقل عن البحر أنّ قرض ما لا يجوز قرضه عارية, أي أنّ قرض ما لا يجوز قرضه من الأموال غير المثليّة حكمه حكم العارية فيجب رد عينه. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (قرض ف 14). ج - شركة الأموال: 6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط في الشّركة أن تكون الأموال المخلوطة - رأس المال - من المثليّات, حتّى إنّ أكثرهم اشترط أن تكون هذه الأموال من الأثمان. قال في الدرّ: لا تصح الشّركة بغير النّقدين والفلوس النّافقة والتّبر والنقرة إن جرى التّعامل بها, وعلى ذلك فالعروض لا تصلح أن تكون مال شركةٍ ولو كانت من المثليّات كالمكيلات والموزونات والعدديّات المتقاربة قبل الخلط بجنسه, وكذلك بعده في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة, وهو قول أبي يوسف. وقريب منه ما ذهب إليه أكثر الحنابلة, والشّافعيّة في قولٍ من اختصاص الشّركة بالنّقد المضروب. والأظهر عند الشّافعيّة - وهو قول محمّدٍ من الحنفيّة - جواز عقد الشّركة في غير النّقدين من المثليّات, كالبرّ والشّعير ونحوهما بشرط الاختلاط بجنسه وعلّله الشّربيني بقوله: لأنّه إذا اختلط بجنسه ارتفع التّمييز فأشبه النّقدين. وللمالكيّة في المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (شركة ف 44). د - القسمة: 7 - ذكر فقهاء الحنفيّة أنّ القسمة من جهةٍ إفراز أي تمييز لحصص الشركاء ومن جهةٍ مبادلة, لكنّ جهة الإفراز في المثليّات المشتركة غالبة وراجحة, فلذلك لكلّ واحدٍ من الشّريكين في المثليّات أخذ حصّته في غيبة الآخر ودون إذنه, وهذا إذا كانت تلك المثليّات تحت وضع يد الشّريكين. وعلّلوا جواز أخذ الشّريك حصّته من المثليّات المشتركة في غياب الشّريك الآخر ودون إذنه بقولهم: إنّ هذا الأخذ هو أخذ لعين حقّه فلا يتوقّف على حضور الآخر ورضاه. وهذا بخلاف القيميّات حيث إنّ جهة المبادلة فيها راجحة فلا تكون إلا بالتّراضي أو بحكم القاضي, ولا يجوز لأحد الشّريكين في الأعيان المشتركة من غير المثليّات أخذ حصّته منها في غيبة الآخر بدون إذنه. ولسائر الفقهاء في المسألة تفصيل ينظر في مصطلح: (قسمة 45 - 46).
8 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أتلف شخص مال غيره بغير حقٍّ فعليه ضمانه. والمتلف إن كان من المثليّات يضمن بمثله, وإن كان من القيميّات يضمن بقيمته, والمعتبر في القيمة مكان الإتلاف. وإذا فقد المثلي بأن لم يوجد في الأسواق فاتّفقوا كذلك على أنّه يعدل عن المثليّ إلى القيمة. ثمّ اختلفوا في تقدير هذه القيمة: أيراعى وقت الإتلاف ؟ أم وقت الانقطاع عن الأسواق ؟ أم وقت المطالبة ؟ أم وقت الأداء ؟. للفقهاء فيه تفصيل ينظر في مصطلح: (إتلاف ف 36). ومع أنّ القاعدة رد المثليّ بالمثل إلا أنّ هناك بعض الأشياء المثليّة يكون الرّد فيها بالقيمة, فقد ذكر تاج الدّين السبكي والسيوطي عدّة صورٍ للإتلاف بلا غصبٍ يكون الرّد فيها بالقيمة وهي: أ - إتلاف ماءٍ في مفازةٍ, ثمّ اجتمع المتلف وصاحب الماء على شطّ نهرٍ, أو بلدٍ حيث لا يكتفي الرّد بمثله, بل تجب عليه قيمته في المفازة. ب - إتلاف الجمد والثّلج في الصّيف, ثمّ أراد المتلف ردّه في الشّتاء فتجب عليه قيمته في الصّيف. ج - إتلاف حليٍّ مصنوعٍ حيث يكون الضّمان بقيمته, حتّى تلاحظ فيها قيمة الصّنعة. وذكر ابن نجيمٍ عدّة أمثلةٍ روعيت فيها القيمة مع كونها مثليّةً, ومنها: إذا اختلف المتبايعان, وتحالفا, وتفاسخا وكان المبيع هالكاً فإنّ البيع يفسخ على قيمة الهالك دون النّظر إلى كونه مثلياً, هذا على رأي محمّدٍ صاحب أبي حنيفة. ومنها المقبوض بعقد فاسدٍ تعتبر قيمته يوم القبض, لأنّه به دخل في ضمانه, وعند محمّدٍ تعتبر قيمته يوم التّلف. ومنها المغصوب المثلي إذا انقطع تعتبر قيمته عند أبي حنيفة وأصحابه لكنّهم اختلفوا في اعتبار اليوم الّذي تحسب فيه. ومن المتّفق عليه إذا تعذّر الرّد بالمثل لأيّ سببٍ كان فيكون الرّد بالقيمة.
9 - اتّفق الفقهاء على أنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحرم فعليه جزاء مثل ما قتل من النّعم, قال اللّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ثمّ اختلفوا في نوعيّة هذا الجزاء وكيفيّته: فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة: الصّيد إذا كان من المثليّات – أي له مثل من النّعم مشابه في الخلقة - فجزاؤه على التّخيير والتّعديل, فيخيّر القاتل بين ثلاثة أمورٍ: أ - ذبح المثل المشابه للصّيد في الحرم والتّصدق به على مساكين الحرم. ب - تقويم الصّيد بدراهم ثمّ شراء الطّعام بها والتّصدق به على مساكين الحرم. ج - الصّيام عن كلّ مدٍّ يوماً وإذا لم يكن الصّيد من المثليّات فيجب عليه قيمته. وأمّا الحنفيّة فلم يفرّقوا بين صيد الحرم إذا كان من المثليّ أو القيميّ ففي كلتا الصورتين تجب قيمة الصّيد وتقدّر القيمة عندهم بتقويم رجلين عدلين في موضع قتله, ثمّ يخيّر القاتل بين أن يشتري بها هدياً ويذبحه في الحرم, أو يشتري بها طعاماً فيتصدّق به على مساكين الحرم, أو يصوم عن طعام كلّ مسكينٍ يوماً.
10 - اتّفق الفقهاء على أنّ من غصب مال إنسانٍ يضمنه ثمّ إذا كان المغصوب موجوداً قائماً بحاله فعلى الغاصب رد عينه ما لم يدخله عيب ينقص من منفعته, لما روى سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي». أمّا إذا لم يكن المغصوب موجوداً بحاله أو هلك أو أتلف فإن كان من المثليّات فعلى الغاصب رد مثله, لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. ولأنّ المثل أعدل لما فيه من مراعاة الجنس والماليّة, فكان أدفع للضّرر كما علّله المرغيناني. فإن لم يقدر على مثله فعليه قيمته على اختلافٍ في وقت تقويم القيمة بين الفقهاء. أمّا إن كان المغصوب من القيميّات فعلى الغاصب قيمته, مع تفصيلٍ في ذلك عند الفقهاء. وينظر التّفصيل في مصطلحي: (ضمان 91 – 92، غصب ف 16).
|